أخيرا.. سيفهمون الرئيس غزواني عبد الله حبيب الله

أخيرا.. سيفهمون الرئيس غزواني عبد الله حبيب الله

بواسطة sidahmed

قبل أربع سنوات، في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال قال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إنه لن يسمح بأن "تكون الحرب على الفساد، فسادا". الرئيس غزواني ليس شخصية نمطية، ولا رئيسا تقليديا من رؤساء دول العالم الثالث. لذلك يجب أن تقرأ كلماته بتمعن؛ فهو لا يلقي شعارات يستدر بها تعاطف الجمهور، أو يصوغ عبارات الهدف منها كسب الوقت، أو تغذية حماس المناصرين في الحملات الانتخابية.

إنه يقول كلاما يعنيه حرفيا؛ ولذلك ينسبه إلى نفسه بياء المتكلم؛ ويحرص على صياغته بنفسه، أو مراجعته بالتدقيق والتمحيص حتى يكون صادرا عنه، نابعا من عنده، لأنه يعتبره 
دينا في رقبته، واجب الأداء.

ليس الرئيس غزواني شخصية تقليدية، في وعيه بأهمية المؤسسات، ولا بضرورة أخذها لأدوارها كاملة، وليس شخصية تقليدية في وعيه المتقدم جدا بضرورة احترام القوانين والنظم، والتعزيز الدائم لمنظومة الحكامة داخل أجهزة الدولة.

حين قال الرئيس غزواني إنه سيحارب الفساد، كان يعي ما يترتب على ذلك، وكان يعنيه؛ كان يدرك أن الحرب على الفساد يجب أن تكون مؤسسة على منظومة قانونية ضابطة لها، وعلى منظومة مؤسسية "بيروقراطية عاصمة من الانحراف". نعم البيروقراطية بمعناها الإداري، والمؤسسي عاصمة من الانحراف، فلا يمكن أن تتواطأ كل المؤسسات، وكل الأشخاص، دفعة واحدة على تصرف فاسد، ولا يمكن أن تتواصل حلقات الفساد إلى ما لا نهاية. لا بد داخل السلسلة من حلقة تفضح التواطؤ إن وقع.

لذلك فالمؤسسية هي العاصم الوحيد من الانحراف نحو تصفية الحسابات، وهي وحدها الضامن لعمل مستمر، يحقق العدالة على المدى الطويل، ويتواصل تأثيره في الجهاز الدولة.

إن الطفرات لا تصنع تنمية، ولا تحمي المجتمعات من نفسها، لذلك ما لم تأخذ أجهزة الدولة أدوارها كاملة، وتمارس صلاحياتها، فإن أي عمل سيكون جهدا مؤقتا، وحملات دعائية، وهو ما لا يريده الرئيس غزواني، ولا يقبل به، خاصة في ملفات ذات طبيعة استراتيجية، مصيرية للشعب، والدولة.

عندما غير الرئيس غزواني وضع المفتشية العامة للدولة، ونقل الوصاية من الوزارة الأولى إلى رئاسة الجمهورية، وألزمها بإعداد استراتيجية تفتيش دائمة، تأخذ بالحسبان خريطة المخاطر التسييرية، وتضع جدولا للتفتيش بناء على أولويات موضوعية.  كان الرئيس غزواني يطبق مقولته بشأن الحرب على الفساد، ولكنهم لم ينتبهوا.

وعندما عزز محكمة الحسابات، ومنحها الوسائل الكفيلة بالقيام بعملها، وألزمها بوضع خطة عمل ومتابعة، بعيدا عن الانتقائية، والاستهداف، وأمر بنشر تقاريرها إنفاذا للقانون، لم ينتبهوا إلى أن هذا وفاء بالتزامه، وقرار لا رجعة فيه بمحاربة الفساد، بطريقة مؤسسية، ستقضي عليه، أو ترجعه إلى مستويات متدنية.

وعندما أعلن قبل أسابيع عن سلطة مستقلة لمحاربة الفساد، لا عمل لهذه السلطة الجديدة غير محاربة الفساد، وصياغة الاستراتيجيات والنظم، ومراقبة مدى فاعلية الإجراءات المتخذة، مع صلاحيات واسعة في الرقابة والتفتيش، والمتابعة. لم ينتبهوا أيضا إلى أن هذا مجرد سطر في سجل مجابهة هذه الآفة الخطرة.

لقد تمت بالفعل محاربة الفساد بطريقة مؤسسية. وحتى الحركة التي هلل لها الشارع، واعتبرها كل المنصفين تعبيرا قويا عن جدية الحرب على الفساد، لو لاحظتم فقد تمت بطريقة مؤسسية، لم تشبها شائبة استهداف، ولم تصحبها دعاية انتقائية، أو مزايدات. فعلت محكمة الحسابات ما عليها، وحين تلقاه الرئيس، ألزم الحكومة بفعل ما عليها، وحين أكملت الحكومة عملها بدأ القضاء عمله، بإعلان النيابة بدء الإجراءات في شأن من شملهم التقرير، في تسلسل مؤسسي، يسند كل مهمة إلى الجهة التي تعنيها، دون ضجيج، ولا صخب.

ستبلغ هذه المعركة نهايتها، وتخرج منها موريتانيا منتصرة ككل الحروب التي تخوضها، بقيادة غزواني، من أجل التنمية، والتعايش بقيم المواطنة والإخاء، بعيدا عن الغبن والتنابز الطبقي، والعرقي، بعيدا عن كل أنماط الشعبوية، وكل صنوف المزايدات.

وعندها، عندها فقط، سيفهمون الرئيس غزواني، ونمط الحكم عنده، وكيف يفكر كرجل دولة، وكرئيس دولة، لأنه لا يمكن لهم حينها إلا أن يفهموه.

سيفهمه الجميع؛ من أزاحتهم الإجراءات من مواقعهم، لأنهم يدركون ألا ظلم فيها. ومن زايدوا على الرئيس غزواني في حربه على الفساد، لأنهم سيواجهون الرأي العام حين يستمرون في زعم عدم جدية الحرب على الفساد.. أما المواطنون فقد فهموا الرئيس غزواني من أول يوم، ولذلك وثقوا فيه، وجددوا ثقتهم فيه، وما زالوا يعبرون عن تلك الثقة في كل مناسبة.

ولذلك سيصدقون أنه كان محاربا لا ينهزم، وأنه لم يحم المفسدين، وأنه في النهاية انتصر، وانتصرت به البلاد، في كل حروبها، وكسبت كل معاركها، وكسبت حربها على الفساد، إلى غير رجعة.