دخل وزير الصحة محمد محمود ولد أعل محمود خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية ساحة الجدل العام من أوسع أبوابها، بعد أن أثار حديثه أمام الجمعية الوطنية تفاعلات واسعة، تأييدا لموقفه القاضي بعدم أحقية التجار في ممارسة مهنة الصيدلة.
كان الوزير يرد على مداخلات النواب في جلسة علنية انعقدت ظهر الثلاثاء، خُصصت لمناقشة مشروع القانون رقم 25 – 037 المعدِّل للقانون 2010 – 022 المتعلق بالصيدلة، والذي تمت المصادقة عليه في ختام الجلسة.
نبض الرأي العام ..
من خلال قراءة مئات التعليقات والتدوينات، خلال الساعات الماضية، يتضح أن المزاج العام لا يميل إلى جانب العاملين في مجال الأدوية. فالكثير من الموريتانيين يعبرون عن فقدانهم الثقة في فعالية الأدوية المتوفرة في الصيدليات، ويعتقد بعضهم أن هذا القطاع تحول إلى سوق للربح السريع على حساب صحة المواطن.
لكن المطلعين على خفايا المشهد الصحي يشيرون إلى صراعات متجذرة بين موردي الأدوية، حيث يتمترس كل طرف خلف شخصيات نافذة داخل القطاع توظف نفوذها لترجيح كفة حليفها. ولم يكن الوزير الجديد بمنأى عن هذه الصراعات التي ظلت تؤرق القطاع الصحي لعقود.
توجه جديد أم مجرد كلام؟
من لهجة الوزير بدا أن القطاع الصحي يتجه نحو قطيعة مع ممارسات الماضي، إذ أظهر حزما واضحا في انتقاداته، لكن متابعين يرون أن الكلام وحده لا يكفي ما لم يترافق مع إصلاح جذري في بنى النفوذ والتأثير داخل القطاع، الذي أنفق عليه الكثير من الأموال، بعضها ديون في رقاب الأجيال، وبعضها هبات لا يرجو بها بعض أصحابها الدار الآخرة !
من هو الوزير الجديد؟
محمد محمود ولد أعل محمود من مواليد 1978، حاصل على دكتوراه في الطب عام 2008 من جامعة الحاج لخضر بباتنة في الجزائر. بدأ مساره المهني طبيبا معالجا في نواذيبو حتى عام 2010، ثم رئيسًا لمصحة طب الأطفال بين 2010 و2014، فمديرا جهويا للصحة في ولاية كوركول حتى 2019.
في العام 2019، عين مديرا لمكافحة الأمراض، وبرز خلال جائحة كوفيد–19 ضمن الفريق الصحي المتابع للوضع الوبائي، مساعدا مقربا من الدكتور سيدي ولد الزحاف، صاحب الإطلالة المسائية اليومية أوان انتشار الوباء، ولاحقًا تولى منصب المدير العام للصحة العمومية فور تعيين ولد الزحاف وزيرا، واستمر في منصبه نحو خمس سنين، قبل أن يُعين مستشارًا لوزير الصحة في مايو 2025، ثم وزيرا للصحة في 18 سبتمبر من العام نفسه، خلفا لعبد الله ولد وديه، الذي حمل رؤية مغايرة بالكلية، وصمد عاما ونحو شهرين، قبل أن يغادر الوزارة تاركا خلافا قويا حوله لم يصل قط لسمعته المالية.
الصعود نحو الوزارة ..
يعد ولد أعل محمود نموذجا لصعود سريع في هرم الإدارة الصحية، من طبيب ميداني لسنوات قليلة، إلى إدارات كبرى، فمنصب الوزير. ويبدو من متابعة حضوره في مواقع التواصل الاجتماعي أنه يحظى بقاعدة واسعة من الأصدقاء والداعمين، إلى جانب منتقدين لا يقلون عددا، وهو ما يعكس انخراطه في الشأن السياسي بمستوى لا يقل عن مستوى انخراطه في القطاع الصحي. فقد شارك الوزير في الحملة الرئاسية الأخيرة ناشطا ضمن حملة الشباب الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
يمتلك ولد اعل محمود خليطا من التجربة والعلاقات، وربما الحظوظ، وهو ما قاده إلى كرسي الوزارة، بيد أن هذا الخليط "السحري" لا يكفي وحده لضمان النجاح في وزارة هي في الحقيقة "منجم من التحديات"، ففي موريتانيا يتطلب "التوزير" الناجح مهارات خاصة وحظوظا فوق العادة. فالعلاقات مع محيط صانع القرار، والخبرة الفنية، وممارسة السياسة المحلية، أمور لا تنقذ من التعديلات الوزارية. كما أن الولاءات داخل القطاع قد تتحول، في حالة الوزير، من مصدر قوة إلى مصدر ضعف، فالوزير غير المدير.
والحال هذه، فإن الوزير الناجح يحتاج إلى مهارة خاصة في إدارة الولاءات والتوازنات، فضلا عن حظ وفير من التوقعات الموفقة، واحترام حذر للخطوط الحمراء، وهي كثيرة وفي كل اتجاه.
أسئلة الصمود والوجود..
إن معركة الوزير الجديد للصحة شبيهة بمعركة سلفه الوزير السابق نذيرو ولد حامد، وهو وزير قوي بشخصيته، وصاحب أسلوب خاص، ومقنع إلى حد كبير، لكن اللوبيات عصفت به في منتصف الطريق.
فهل يملك ولد أعل محمود مقومات الصمود؟ وهل يحظى بمن يحمي ظهره في وجه لوبيات تكتسب مناعة مرة بعد أخرى؟ خاصة في ظل حديث متزايد عن استحالة نجاة الوزير من الملفات المفتوحة الآن بين يدي شرطة الجرائم الاقتصادية حال تعمقت، وهو خيار غير مستبعد، فولد أعل محمود كان أقوى، قطعا، وأكثر تأثيرا في وزارة الصحة من حليمة با، الأمينة العامة التي تحملت، بحلم، كل شيء.
